تابع من لماذا اقيمت دولة اسرائيل

خروج اليهود من مصر، ما سببه؟
مثل هذا الأمر حدث لهم في أواخر أيام روسيا القيصرية. وفي الأندلس طُرد اليهود مع المسلمين بسبب غناهم الفاحش وتعاونهم مع سلاطين المسلمين. حتى أن فرويد - وهو يهودي بامتياز - يقول إن خروج اليهود من مصر لم يكن بسبب رفضهم عبادة الأوثان والسجود للأصنام، كما تذكر التوراة، أو بسبب رغبة الشعب بالعودة الى وطنه . بل هو كان أشبه بالخروج من ألمانيا، محنة عاناها اليهود بسبب أموالهم، التي قيدوا بها الاقتصاد المصري . فرغب المصريون بالتخلص منهم.
وشيء كهذا شاهدنا مثله، عندما رحبت الحكومات العربية، المصرية مثلا والعراقية، بخروج اليهود من بلادها، وأغمضت أعينها عنه، لرغبتها في وضع اليد على أملاكهم. مع علم هذه الحكومات، أن يهود بلادهم ذاهبون مواطنين وجندا في جيش اسرائيل، الذي يحاربهم ويحاربونه.
جايدماك وبلاطو شارون
الحديث عن وطن آمن لليهود هو في الحقيقة الحديث عن وطن آمن للمال اليهودي.لا يأمن التاجر اليهودي على ماله في اوروبا أو أمريكا أو أي مكان في العالم، الا في سنوات السلم، وفي أشهر العسل. فاذا تغيرت الموازين، وزادت نقمة الناس على هذا المال، تغير الحال.
وبما أن الأغنياء يخافون على مالهم أكثر مما يخافون على أرواحهم، فإن فكرة قيام اسرائيل هي باختصار أن يُسيِّر التاجر اليهودي مصالحه وتجارته ومصانعه في كل العالم، وعند الخطر يجد مكانا آمنا يحمي فيه ما جمع من مال. وثمة هدف آخر : فالتاجر اليهودي الذي تتعثر أموره في العالم، وتطارده قوانين ومحاكم البلد الذي يعيش فيه، لمخالفات قام بها، انما يجد في اسرائيل الملاذ الآمن له ولماله. وقد رأينا من هذه الحالات حالة حية هي حالة اليهودي الروسي جايدماك، وبلاطو شارون اليهودي الفرنسي، الذي هرب من فرنسا مباشرة الى برلمان اسرائيل. وما لم نره أكثر بكثير.
دولة المال لا دولة التوراة
ومن الذين تنبهوا لهذه الحقيقة البارون روتشيلد .فبدأ يعمل جاهدا لإنشاء وطن لليهود في اسرائيل، معتمدا على تأثير آل روتشليد وأموالهم الكثيرة. أموال كان بمقدورها أن تقيم أو تسقط حكومات في اوروبا. إنه نفس الرجل الذي خاطبه بولفور بعزيزي، وأرسل له النسخة الأصلية من وعده المشهور: عزيزي اللورد روتشيلد ... ان حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وستبذل جهودها لتسهيل ذلك ...الخ.
وهكذا شرع ليونيل روتشيلد بشراء الأراضي في فلسطين من اجل التمهيد لقيام الدولة.
والنتيجة أن الدولة اليهودية التي أقيمت في فلسطين، ليست هي الدولة التوراتية، ولا تستند من قريب أو بعيد على الوعد الإلهي لإبراهيم الخليل. إنها دولة مال، وهي دولة قوة وحراسة لهذا المال وأصحاب المال. واحضار ملايين اليهود من الاتحاد السوفياتي المنهار ومن الحبشة، وقبل ذلك من مصر والعراق وسوريا، لم يكن الهدف منه انقاذ الشعب اليهودي من الاضطهاد . فلو كان هذا صحيحا بالنسبة ليهود اوروبا، فكيف يكون صحيحا بالنسبة ليهود مصر ويهود العراق، وهم كانوا أحسن حالا وأكثر نفوذا من حال المسلمين في تلك البلاد؟ الهدف من احضار هؤلاء هو تكوين جسم الجيش القوي الذي سيحمي هذه الدولة ومدخراتها.
المتدينون يأخذون نصيبهم
وعلى الرغم من أن معظم المتدينين اليهود أنضووا تحت لواء هذه الدولة، لأسباب دينية أو وطنية أو مصالح شخصية، فإن الدولة لم تكن دولة روحانية، أو دولة دينية . يكفي أن يدغدغ قيام اسرائيل أشواق هؤلاء الغلاة، وأن يُحيي في نفوسهم نظرية دولة العهد القديم التي تحققت ضمن قيام اسرئيل. أما هيكل سليمان الذي تنادوا لاقامته على أنقاض المسجد الأقصى، فكان يستطيع أن ينتظر على نار هادئة. فالمال اليهودي ليس هدفه بناء المعابد ولا الهياكل، ولا يرى في ذلك انجازا عظيما. وكذلك يستطيع مسيحهم المنتظر أن يأتي على مهل. فما الحاجة للإسراع؟ وأكثر من ذلك، فالدولة تعفيهم من الخدمة في الجيش، وتكفل لهم حرية إدارة شؤونهم الدينية بأنفسهم، وتغدق عليهم ما شاءوا من المال. ومهمتهم الوحيدة هي الإيحاء بأن دولة المال هي نفسها الدولة التي وعد بها الرب ابراهيم.
فاذا تحقق ذلك، تضافرت كل الجهود، والتقت الاتجاهات الدينية والدنيوية. عاشت الدولة، ونجح أكبر مشروع في القرن العشرين، كما يقول شمعون بيرس، أطول مدة ممكنة من الزمن.